الثابت والمتحول في احتفالات مسرح البساط

هوالاحتفال المسرحي الكرنفالي ذي النكهة المغربية الصرفة كعلامة من علاماتنا الدالة على عراقتنا الاحتفالية، إذ يعتبر من أعتق الأشكال ما قبل المسرحية ببلادنا ومن أكثرها إنغراسا وتجدرا في التربة، فمنه تولدت وتطورت أنماط احتفالية أخرى أبرزها كان ( سيدي الكتفي )كممارسة فرجوية الغالب أن موطنها الأصلي كان هومدينة الرباط المركز الإداري للدولة ولم تعرف في غيرها .
ومن ثوابت مسرح البساط سواء من حيث شكل التظاهرة ومضمونها وبغض النظر عن أصل التسمية إذ هناك اختلافــات كبيـــرة بالنسبة لأصلها بين الإنثـوغرافيين الأجانب ( أوبان ) ( ادمون دوني) ( فاتيني) ( لاووست ) الخ وكذلك بالنسبة للباحثين المغاربة ( المنيعي، السايح، شقرون .. إلخ ) إذ يرى أغلبهم أن الأصل في التسمية يعود إلى الانبساط تماشيا مع الاشتقاق اللغوي ( بسط، انبسط، بمعنى انشرح )إذ في التظاهرة الكثير من الانشراح ولعبد الرحيم جبور رأي آخر يتفق فيه مع بعض الإنثوغرافيين الإسبان من أن الأصل إشارة إلى بساط سيدنا سليمان الذي جمع فيه ما جمع من فنون ( Antiguos USOS y Costumbres de Tetuan ) ويتفرد أحمد الطيب العلج برأي مخالف إذ المقصود بالبساط ( المكان الذي تقام فيه الفرجة أي البساط الذي يتحـرك فوقـه الممثلون ( البساط مسرح المغاربة القدماء، مجلة صوت الشباب، مارس 1960، عدد : 2، ص : 20 ).
ومن ثوابت هذا المسرح مع كل هذه الاختلافات في التسمية أنه :

– مسرح احتفالي كرنفالي مفتوح .

– مسرح هزلي ترفيهي ساخر .

– حضور المناسبة التي قد تعطيه نكهتها ويحمل دلالتها ( عاشوراء، عيد المولد النبوي، الاحتفال بانتصار الجيش في موقعــة أومعركة).

– مسرح متحرك تتبادل فيه العلاقة بين الطرفين المحتفلين ( الجمهور والممثلون )يتحرك إليهم ويتحركون إليه .

– الجمهور هوأيضا ممثل لأن الكل يحتفل.

– مسرح انتقادي بامتياز، يكشف عن عيوب المجتمع ويفضح الممارسات المشبوهة التي لا يكون هناك سبيل لإدانتها وكشفها إلا بتمثيلها، لما في ذلك فساد الممارسة الدينية، كالطرقية التي تخلت عن رسالتها الجهادية ولرجال السلطة وبعض القضاة .. وبسط التظلمات .

– الشوارع والساحات هي الفضاءات التي يتحرك فيها ولا يمكن حصره بالجدران والأسيجة داخل القاعات أوالمدرجات .

– وجود هودج – بيت – من خشب مزخرف بمهارة وعناية فائقة .

– وجود حدث، قصة / قصص كمحور للتظاهرة، وكل ارتجال هوفي سيرورة الحدث وذلك حتى لا يضيع الهدف الذي قام عليه الاحتفال : تظلم، شكوى، الفات نظر، احتجاج إلخ ..

– مسرح هومن صنيعة المتطوعين وخصوصا الحرفيين من عامة الشعب وهونوع من التمثيل كالذي كان عند اليونان ويسمى(كوموس ).

هذه الشروط ظلــت قاسما مشتــركا تتوحد فيها كل عروض مسرح البساط كقاسم مشترك يميز تلك العروض عن غيرها من الاحتفالات الشعبية الأخرى الدينية منها أوغيرها وهي نفس الثوابت التي وجدناها في تظاهراته في تطوان والعرائش، وغير ذلك يبقى من المتحولات، إذا كانت لا تمس الجوهر .
وحتى على مستـوى الإعداد للتظاهرة هناك أيضا ثوابت وطقوس يتم إتباعها ويذكر عبد الله شقـرون : ( والملاحظ أن التنظيم الذي كان يتم به الاستعداد للمهرجان اليوناني هونفس التنظيم الذي كان يتم به الاستعداد للمهرجان المغربي ( حديث الإذاعة حول المسرح المغربي، ص : 196 ).
وهذه الطقوس المصاحبة للاستعداد كانت أيضا قائمة في بساطي تطوان والعرائش، فالبنسبة للأول يذكر جبور ( ... كان حفلا كبيرا تحت إسم (البساط) شـارك فيه جميـع الحرفيــين حيــث صنع ( البساط) من خشــــب متحــرك مساحتـــه ( 2م / 2م )صنع بدقة لامتناهية، مصبوغ بكل الألوان على شكل أصيص (محبقة) كبير للورود وتجللها قبة بديعة الصنع محفوفة بشموع وقناديل وأعمدة طويلة تنتهي بمصابيح يطلق عليها أهل المدينة (الفريفار)، ويتقدم الموكب (بهلوان )يطلق عليه في الجنوب ( بوهو) بحركاته المثيرة التي تلقى الإعجاب إلخ ..) (المرجع السابق ) .
وهذا يتضح لنا خضوع البساط التطواني لكل مواصفات البساط المغروفة في مراكش وفاس والرباط وخصوصا في ما يتعلق بالشكل ( أصيص ).
وبالنسبة للعرائش يذكر المفضل التدلاوي : ( البساط هوعبارة عن هيكل خشبي مزخرف ومزين يشبه فيما يسمى بالعرائش ب :» العمارية « وفي تطوان ب : « البوجة « وهوأكبر حجما لا في الطول ولا في العرض، ولقد أوفدت اللجنة (يقصد لجنة إعداد الاحتفال ) بعض الصناع في حرفة النجارة صحبة بعض العناصر المراكشية ( كانت متواجدة بالعرائش)إلى مدينة مراكش بوضع تصميم (البساط) وتجلب الورق المقوى المزخرف الذي يغلف به هيكل (البساط)، أما تركيبه وتزينه فقد تم بالعرائش من طرف معلمين مهرة في النجارة إلخ ..).
وبحكم أن حفلات البساط بالعرائش كانت لازالت قائمة إلى عهد قريب ولربما تكون هي آخرها أقيم بالمغرب، وأن المؤلف كان شاهد عيان لها فإنه يذكر – وهذا من حسن حظ ذاكرتنا المسرحية – أسماء الحرفيين والفنانين النجارين المهرة والممثلين الذين شاركوا في تأثيث هذا الاحتفال (.. تحت إشراف الفنان في صناعة النجارة السيد عبد السلام التدلاوي، ومن جملة من شاركوا في تركيب البســاط : الحاج مصطفى الدريـــوش، وعبد السلام ابن حساين، والعلمي العسري ) ( ص 171 ).
وهكذا يتبين لنا الحضور المراكشي كحافز وأيضا كمدعم لإقامة إحتفالات البساط بالعرائش من خلال شخصيات مراكشية وازنة ومسؤولة كانت بالمدينة وارسال : (بعض الصناع في حرفة النجارة صحبة بعض العناصر المراكشية إلى مدينة مراكش لوضع تصميم البساط ).
وكذلك الأمر كان بالنسبة لتطوان، بمعنى أن العناصر الغير محلية هي التي كانت وراء الفكرة وهي التي عملت على تنفيذها، فجبور في نفس المرجع يرجع سبب ظهور البساط في تطوان إلى عناصر من الجيش المغربي لأن ( البساط )بينهم كان شائعا ( وكان سلاطين المغرب يسمحون لجنودهم خصوصا بعد الإنتصار في حرب أومعركة إلخ .. ).
( وفـــي نفــــس هذا السياق ودعمـا لنفس الأطروحة يأتـي رأي لوتورتو (1949 ) الذي يرى فيه أن ( جنود المخزن الشريــف وخاصة منهم المنحدرون من منطقة الحوز هم الذين ينظمون بمناسبة عاشراء إحتفالا هزليا يسمى البساط). والواقع أن هذه النقطة شكلت خلافا بين الباحثين .. بمعنى هل كان أمر اعداد حفلات البساط موكولا إلى الحرفيين أم إلى الجنود . فالباحث ( فاستر ماك )يقول بالحرف ( يقوم به وينظمه جنود السلطان بفاس ليلة عاشوراء ويتكرر عرضه في الليالي الأخرى ) (أنظر حسن بحراوي – المسرح المغربي، بحث في الأصول السوسيوثقافية )وعندنا أن الإعداد كان موكولا للطرفين كل حسب ظروفه كما وقع فعلا في تطوان (رجال الجيش) والعرائش (المدنيون ).

سلمت على روعه طرحك
نترقب المزيد من جديدك الرائع
دمت ودام لنا روعه مواضيعك

الميالي كتب:: سلمت على روعه طرحك
نترقب المزيد من جديدك الرائع
دمت ودام لنا روعه مواضيعك

شكرا لك على الزيارة الكريمة
جزاك الله عنا خيرا
الله يعطيك الصحة و العافية
لك مني أزكى و أخلص و أجمل التحايا

» مسرح الحياة