تقع المراكز العصبية المسؤولة عن الحركات الإرادية في الجزء الخلفي من فص
المخ الأمامي وهي تغطي مساحة واسعة منه. ويتبين لنا من الشكل المرفق كيف أن
اليد بذراعها وبأصابعها الخمس تحتل مساحة كبيرة من المساحة الكلية المخصصة
للحركات الإرادية في الجسم.
ولا يدرك أكثر الناس حجم العمليات والمعالجات التي تجري في مراكز الحركة في
الدماغ وكذلك كمية المعلومات الذاهبة والقادمة بين اليد والدماغ عند
القيام بتحريك اليد لأداء مهمة معينة مهما بلغت بساطتها.
فمعظم الناس يعتقد أن جميع خطوات عملية تحريك أيديهم وأرجلهم وألسنتهم
إنما تتم بشكل كامل تحت سيطرتهم وهي ليست كذلك أبدا حيث أن جميع الخطوات
تتم بشكل غير إرادي ما عدا الخطوة الأولى وهي خطوة تحديد نوع الحركة ووقت
ابتدائها.
فعندما ينوي الشخص تحريك يده في وضعية ما فإن هنالك برنامجا ضخما مخزن في
مركز الحركة الرئيسي والمراكز المساعدة له يلزم تشغيله ليحدد سلسلة النبضات
العصبية التي يجب أن ترسل لمختلف عضلات اليد وبتزامن منقطع النظير.
فعندما ينوي الشخص الإمساك بكوب من الماء ليشرب منه فإن يلزم تحريك جميع
عضلات اليد لنقلها من وضعها التي كانت فيه إلى موضع الكوب فتقوم بالإمساك
به ثم نقله إلى فمه.
وخلال هذه الفترة الزمنية يتم إرسال مئات الملايين من لإشارات العصبية من
الدماغ لعضلات اليد ومن عضلات اليد إلى الدماغ تحدد العضلات المراد تحريكها
ومقدار شدها في كل لحظة زمنية.
وكيف للإنسان أن يعطي سلسلة الأوامر لتحريك يده وهو يجهل أصلا تركيب يده
وكم فيها من عضلات ومفاصل وألياف عصبية وغير ذلك وحتى لو علم ذلك فإنه لا
حول له ولا قوة في فعل ذلك.
ويتضح ذلك جليا إذا ما أصاب أعصاب اليد أي خلل أو قطع فالشخص المصاب يعطي
الأوامر لدماغه لتحريك يده ولكن اليد لا تستجيب أبدا لعدم وصول الإشارات من
الدماغ إلى عضلات اليد.
إن عملية تحريك اليد للقيام بمهمة معينة لا تتم فقط من خلال إرسال
الإشارات الكهربائية من الدماغ إلى عضلات اليد بل تحتاج لتغذية راجعة من
اليد إلى الدماغ تحدد وضعية المفاصل المختلفة ومقدار شد العضلات في كل لحظة
زمنية.
ويتم ذلك من خلال استخدام عدد كبير من المستقبلات الحسية (sensory
receptors) التي يتم زرعها في داخل المفاصل والعضلات والأربطة والأوتار
والتي تقوم بإرسال إشارات كهربائية إلى الدماغ أو الحبل الشوكي تحدد وضع كل
من هذه المكونات في كل لحظة زمنية.
والمستقبلات الحسية المصممة خصيصا للقيام بهذه المهمة هي من نوع المستقبلات
الميكانيكية (mechanoreceptors) والتي تستجيب لحركات العضلات والمفاصل
والتي توجد بأشكال مختلفة حسب نوع المكون الموجودة فيه كالمغزل العضلي
(muscle spindle) الموجود في العضلات و (Golgi tendon organ) الموجود في
الأوتار. ويعتبر المغزل العضلي من أشهر المستقبلات الميكانيكية المستخدمة
في اليد والذي يتم زرعه في بطن العضلة من خلال لفه عدة لفات حول بعض
الألياف العضلية الداخلية.
إن حجم العمليات العصبية التي يجريها الدماغ لكي يمكن اليد من أداء
وظائفها بكل سهولة لا يدرك تعقيدها إلا المهندسون الذين يعملون في مجال
تصنيع الروبوتات أو الأطباء والمهندسون الطبييون الذين يعالجون مرضى أصيبوا
بعاهات في أيديهم أو في أعصابها أو في مراكز الحركة وذلك من خلال تركيب
أطراف صناعية لهم. فمهندسي التحكم بالروبوتات يعتبرون اليد البشرية النموذج
الأمثل الذين ويسعون جاهدين لصنع أيدي لروبوتاتهم تحاكي ولو بشكل جزئي
قدرات اليد البشرية.
ولكي يتمكن المهندسون من تقليد اليد البشرية فقد قاموا في مراكز أبحاثهم
بدراسات معمقة وكثيرة لهذه اليد المعجزة حاولوا خلالها كشف أسرارها
المختلفة.
وقد انصبت جهود بعضهم على دراسة الجانب الميكانيكي من حيث تركيب العظام
والعضلات والمفاصل وبعضهم على دراسة الأعصاب المحركة والمستقبلات الحسية من
حيث أنواعها وطرق عملها وطرق توزيعها في اليد وبعضهم على دراسة البرامج
الضخمة المخزنة في الدماغ والعمل على محاكاتها باستخدام الحواسيب العملاقة.
ويبين المخطط المرفق مدى التعقيد الموجود في النماذج التي يقوم المهندسون
بوضعها لتمثيل عمل اليد البشرية حيث يلزم أنواع معقدة من المتحكمات بوجود
التغذية